verticalelllllan
verticalelllllan

المساعدات الإنسانية ليست كل ما يتطلع إليه الشعب اليمني

في ظل الأزمة الإنسانية التي يعيشها أبناء الشعب اليمني جراء استمرار الأعمال العدائية والحصار الشامل المفروض من قبل تحالف العدوان وفي انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الدولية والشرائع السماوية والمبادئ والأخلاق الإنسانية وتجاهل الدعوات الدولية المتزايدة لإحلال السلام الأمر الذي فاقم الأزمة الإنسانية مما يتطلب المزيد من تضافر الجهود الدولية لتخفيف منها، كان لا بد من تناول الأبعاد المختلفة للمساعدات المقدمة لليمن ومدى فاعليتها في تخفيف هذه الأزمة والتي تقدم بتقييمها البعض وصولا للخروج ببيان والتي ستأتي خلال متابعة هذه السطور، فإلى الحصيلة:
الثورة/ رجاء عاطف

يمتلك اليمن إمكانيات طبيعية هائلة تتمثل في التربة الزراعية الخصبة والتنوع المناخي ويتميز الشعب اليمني عن شعوب الجزيرة العربية بالقدرة على الإنتاج الزراعي والصناعي والإبداع المعماري وكذلك توفر بيئة سياحية جذابة في اليمن إلى جانب ثروة بشرية يمتلكها على مر الدهور، هكذا أوضح السفير عبدالإله حجر – مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى، وقال: رغم جميع الموارد المتنوعة غلب على الاقتصاد اليمني لعدة عقود الضعف وتضاؤل الإنتاج وانخفاض نسبة النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم والبطالة وازدياد معدلات الفقر وتنامي الواردات وتناقص الصادرات وما رافق ذلك من خلل في ميزان المدفوعات وعجز دائم في موازنة الدولة، كما برزت ظواهر سلبية متمثلة في تحول المجتمع إلى النمط الاستهلاكي بدلا من الإنتاجي وضعف التعليم وارتفاع نسبة الأمية وضعف بنية المرافق الصحية ذات الإمكانيات غير المتكافئة مع تزايد عدد السكان الأمر الذي ساهم في انتشار الأمراض والأوبئة، وأن ما ساهم في وصول اليمن إلى هذا الوضع المتردي لتصبح من الدول الأقل نموا ثم الأشد فقرا هو عدم الاستقرار السياسي وأيضا تجاذب النفوذ الإقليمي والدولي وكذلك فساد أجهزة الدولة إلى جانب ضعف وتدني الاستراتيجية التعليمية وضعف الانتاج الزراعي.
التقييم لأعمال المنظمات
وأكد حجر أن الصعوبات التي تحد من فاعلية المساعدات المقدمة إلى اليمن تتمثل أولا فيما يتعلق بالأجهزة الحكومية حيث لم تتمكن خاصة في بداية العدوان من مواجهة الكارثة التي حلت بالبلاد نتيجة العدوان واستهداف العاصمة بالغارات الجوية وتدمير الهيئات والوزارات والمؤسسات الحكومية والبنية التحتية وإثارة الرعب والفوضى في صفوف الشعب بغرض إحداث شلل كامل في إدارة الدولة وكان من الصعوبة إعداد الخطط والبرامج للإغاثة وتحديد الاحتياجات في ظل تلك الظروف، والصعوبة الثانية تتعلق بالمنظمات الدولية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية حيث بدا أن بعض مسؤوليها غير قادرين على اقناع الدول المانحة بتوفير الأموال اللازمة لخطة الاحتياجات التي أعدتها، حيث أن بعض الدول والهيئات قدمت مبالغ تمويل خارج خطة الاستجابة الإنسانية وعن غير طريق مكتب تنسيق الأمم المتحدة والذي لو تم توجيه تلك المبالغ وجهتها الصحيحة لأمكن تحقيق نتائج أفضل لخطة الاستجابة، كما اتهمت المنظمات في بعض الحوادث بشراء صفقات غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية ومن أسواق خارجية وأنها لا ترفد البنوك المتواجدة في العاصمة بالمبالغ المحصلة من المانحين وهي لا تشتري احتياجاتها من السوق المحلية بما ينعش التجارة ويخدم استقرار سعر العملة الصعبة، وأضاف إن هناك انتقادات لشراء بعض المنظمات مواد غير متعلقة بالإغاثة والتي لا يحتاج إليها المجتمع اليمني، وانها تقيم فعاليات تدريبية لا تخدم جهود الإغاثة ولا تتناسب مع قيم المجتمع اليمني والذي يشير بعض المسؤولين الحكوميين هنا إلى أن المنظمات لا تراعي في كادرها الإداري التنوع والابتعاد عن التجاذبات الحزبية والانتماءات المناطقية مما يؤثر سلبا على أداء تلك المنظمات ودقة المعلومات وسلامة التوزيع للمساعدات، ويرى حجر أنه بالإمكان مواجهة مثل هذه المشاكل والصعوبات بتفعيل التقييم الدوري لأعمال جميع المنظمات العاملة والاطلاع من خلالها على جميع البرامج المنفذة خلال العام المنصرم، وأخيرا فإن لتحالف العدوان على اليمن الدور الأكبر في وضع العراقيل والصعوبات أمام دخول المساعدات إلى اليمن ووصولها إلى مستحقيها وذلك بشن الغارات على الموانئ والمطارات والمنافذ البرية لإخراجها عن الجاهزية لاستقبال المساعدات القادمة من الخارج وأيضا عرقلة تنقل موظفي الإغاثة إلى المناطق المتضررة باستهداف الطرقات والجسور التي تربط بين المدن والقرى.
مؤتمرات فاشلة لتقديم المساعدات
وعن ذلك يقول السفير محمد السادة – نائب رئيس دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية: إن جهود المجتمع الدولي وما يقدمه من مساعدات لمواجهة الأزمة الإنسانية في اليمن قد تأثرت سلبا بالمصالح الدولية والأجندات السياسية بالإضافة إلى الضغوط التي مارستها دول العدوان بقيادة السعودية والتعتيم الإعلامي الدولي على المعاناة الإنسانية، إلا أن تلك المصالح هي من أزالت مؤخرا ذلك التعتيم الإعلامي وسلطت الاهتمام على هذه الأزمة ، مشيرا إلى أنه وعلى مدى خمس سنوات من العدوان والمعاناة الإنسانية عقد فيها المجتمع الدولي ثلاثة مؤتمرات دولية رئيسية معنية بتقديم المساعدات لليمن إلا أنه بالمحصلة كانت نتائج المؤتمرات التي عقدت مخيبة للآمال كما وصفها مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية السابق السيد أوبراين- في آخر إحاطة له والتي عبر فيها عن خيبة الأمل لا سيما على مستوى عدم الايفاء بالتعهدات المالية للمانحين، وكذلك أكد عليها الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بأن المساعدات المقدمة لليمن غير كافية لا سيما وأن الأمم المتحدة كانت قد أعلنت أعلى درجات الطوارئ الانسانية في اليمن عام 2015م، وأصبح بلدا منكوبا انسانيا وفق توصيف التقارير الدولية، وقال: إن الجهود الرسمية المبذولة لتخفيف المعاناة الانسانية التي يعيشها المواطن اليمني ليست أفضل حالا من الجهود الدولية حيث كان للعدوان والانقسام الحاصل في مؤسسات الدلة وشحة الإمكانيات نتيجة الوضع وغيرها من الأسباب تأثير مباشر حد من قدرة وجهود الدولة في التعامل مع المعاناة الإنسانية، مشيرا إلى ما بذلته الدولة في إعداد اللائحة الخاصة بعمل المنظمات غير الحكومية العربية والاجنبية وتشكيل اللجنة العليا للتنسيق والتواصل مع المنظمات الدولية الانسانية العاملة في اليمن عام 2017م وتشكيل فريق من الجهات المعنية لتسهيل أداء المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في اليمن ، إلى جانب صدور القرار الجمهوري رقم (178) لسنة 2018م بشأن إعداد تنظيم الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية لمواجهة الكوارث.
لا يمكنها الوفاء بكل الاحتياجات
وذكر السادة أن الجهود الدولية ركزت على تقديم المساعدات الإنسانية متجاهلة حقيقة أن عمل المنظمات الدولية والاستجابة الإنسانية لا يمكنها الوفاء بكل الاحتياجات ما لم يكن هناك عمل مواز يتمثل في تنشيط القطاعات المصرفية والتجارية والاقتصادية في البلد والبحث عن الحلول السياسية باعتبارها الحل الأمثل للوضع في اليمن ويتطلب الأمر ضخ جزء من مبالغ المساعدات الخارجية إلى البنك المركزي بما يضمن دفع رواتب موظفي الجهاز الإداري للدولة، منوها بأن بعض المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في اليمن اثبتت فاعلية أكثر من غيرها من المنظمات الدولية رغم صغر حجم التمويل إلا أنها تعمل بشكل منظم وفعال وأقل تأثرا بالمصالح والاعتبارات السياسية التي تؤثر سلبا على العمل الإنساني، وقال: لا لوم على كل من يؤمن بعدم جدوى المساعدات الخارجية وانها تخدم مصالح من يقدمونها أكثر من الذين يستفيدون منها، ومع ذلك ورغم مساوئ المساعدات الخارجية إلا أن الأسوأ منها هو عدم وجودها لا سيما في الأوقات التي تستدعي تكاتف الجهود الدولية عند حلول الكوارث الطبيعية أو الأزمات الانسانية كما هو الحاصل في اليمن الذي يحتاج لدعم حقيقي من المجتمع الدولي سياسيا من خلال العمل على إنهاء العدوان وإحلال السلام واقتصاديا وإنسانيا من خلال المساعدة وتجاوز الأزمة الانسانية والشروع في عملية إعادة الإعمار.
التعامل بلا مسؤولية
ومن جانبه تحدث الاستاذ ماجد عزان – المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الانسانية والتعاون الدولي في ورقته قائلاً: إن الأزمة الحالية في اليمن والتي تسبب بها العدوان قد تضررت منها جميع القطاعات وكان لها أثر سلبي على جميع فئات المستفيدين بسبب الاستهداف المباشر وتدمير البنى التحتية والحصار وانعدام السيولة النقدية في البنوك والجهات الخدمية والتي أدت إلى توقف معظم الخدمات الأساسية المنقذة للحياة، وأن الوضع العام السيئ تفاقم مع غياب الجهات الحكومية أثناء إعداد خطط الاحتياجات الطارئة السنوية في المستويات الادارية المختلفة وإنما كانت مشاركتها شكلية في إعلان خطط الاحتياجات الطارئة فقط وكذلك غياب المتابعة والتقييم والرقابة الحكومية لمشاريع وأنشطة المنظمات العاملة في اليمن وكذا غيابها في عملية تقييم تنفيذ الخطط الاحتياجات الطارئة، الأمر الذي أدى من جانب إلى تعامل المنظمات العاملة في اليمن مع المنح والمساعدات بلا مسؤولية وتحديد الاحتياجات لا يعبر عن الواقع الفعلي ومن جانب آخر تجاهل هذه المنظمات للمبادئ والمعايير الانسانية الدولية والتي من اهمها مشاركة جميع الاطراف المحلية في الأعمال الإنسانية للوصول إلى استجابة فعالة وملائمة وبكفاءة عالية، أي أن غياب التوجيه الحكومي سيؤدي إلى عشوائية عمل المنظمات.
الأولويات الوطنية
كما أكد الدكتور أحمد الشيخ – وحدة السياسة الصحية والدعم الفني وزارة الصحة العامة والسكان في ورقته أن استعادة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي وتدعيم بناء مؤسسات الدولة يعتبر ركيزة أساسية لتعزيز قدرة الدولة على إدارة واستخدام الدعم الخارجي بشكل أكثر فاعلية وضمان استخدام تعهدات المانحين في دعم البرامج ذات الأولوية الوطنية مع التزامهم بتقديم المساعدة الفنية والمالية اللازمة لتنفيذ الاصلاحات والمشاريع ذات الأولوية في مجال الصحة، وأضاف: إن هذا يتطلب التزام المنظمات بالعمل مع الوزارة لتسهيل استيعاب المساعدات بما ينسجم مع الأولويات الوطنية المحددة من قبل الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الصحة العامة والسكان فيما يتعلق بالجانب الصحي، وأيضا المساهمة في بناء قاعدة بيانات موحدة وموثوقة للمشاريع والتمويلات الخارجية، كما يجب تعزيز دور الوزارات في عملية الاشراف والرصد والتقييم لتنفيذ المشاريع مع الالتزام بالمعايير الفنية والزمنية والمالية وكذلك زيادة مستوى التنسيق بين المانحين أنفسهم لدعم تنفيذ المشاريع التي تمثل الأولويات الوطنية، وأشار إلى ضرورة تمكين المجتمع المدني بشكل عام من الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمشاريع عبر وزارة الصحة وكذا العمل على مسارين متوازيين لاستيعاب التمويلات، الأول يركز على المشاريع الاستراتيجية كبيرة الحجم للتنمية 50% بينما الثاني 50% يركز على المشاريع الإغاثية الصغيرة ذات الأثر الاجتماعي السريع حسب توجهات الدولة.
إيقاف العدوان ورفع الحصار
وأكد البيان والتوصيات الصادرة في 15 ديسمبر 2019م من وزارة الخارجية – صنعاء التي قدمها مشاركون في ورشة عمل لتقييم فاعلية المساعدات المقدمة لليمن لمواجهة الأزمة الانسانية أن المساعدات الانسانية ليست كل ما يتطلع إليه الشعب اليمني، فالمساعدة الحقيقية التي يحتاجها اليمن من المجتمع الدولي هي المساهمة في المعالجة الجذرية لأسباب الأزمة الإنسانية والمتمثلة في إيقاف العدوان ودعم مسار الحل عبر استكمال مشاورات السلام ورفع الحصار الشامل المفروض على اليمن وفي المقدمة إعادة فتح مطار صنعاء الدولي، حيث لا تزال الجهود الدولية للمساهمة في التخفيف من حدة الأزمة الانسانية دون المستوى المطلوب وأيضا لا يزال حجم التمويل للمساعدات الانسانية المقدمة لليمن في حده الأدنى مما يستوجب مزيدا من تضافر الجهود الدولية ورفع سقف المساعدات بما يتناسب وحجم الأزمة الانسانية.
وصول المساعدات للمستفيدين
وكذلك من ضمن التوصيات عدم اقتصار المساعدات الدولية على الجانب الإنساني فقط وأن يكون هناك عمل مواز يتمثل في مجال تقديم المساعدات التنموية وتنشيط القطاعات المصرفية والتجارية والاقتصادية، ومن الضرورة أخذ الدولة بزمام المبادرة في وضع الأولويات والخطط السياسية والبرامج المرتبطة بالمساعدات الخارجية، ورفع مستوى الاشراف والتقييم الحكومي للبرامج والمشاريع والانشطة الممولة دوليا وبما يزيد من كفاءة أداء المنظمات الدولية الانسانية العاملة في اليمن، ويجب العمل على زيادة حجم المساعدات النقدية المباشرة للفئات الأكثر تضررا من العدوان بالتعاون مع القطاع المصرفي الحكومي الذي يمتلك بنوكاً لديها خدمات مصرفية متطورة وفروع تغطي كل المحافظات، كما أنه لا بد من ترشيد النفقات التشغيلية والمصاريف الإدارية للمنظمات في مجال تقديم المساعدات وبما يضمن وصول الجزء الأكبر من تلك المساعدات للمحتاجين، وعليها (أي المنظمات الدولية) الالتزام بمبادئ العمل الانساني المتمثلة في (الانسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية) والتحلي بأعلى درجات المهنية والموضوعية في بياناتها وإحصاءاتها حول الوضع الانساني والمساعدات المقدمة وحجم الاضرار والخسائر البشرية والمادية جراء الأعمال العدائية التي يمارسها تحالف العدوان على اليمن.
ايجاد لائحة وقاعدة بيانات
وختاما ذكر البيان أيضا أنه يجب إصلاح منظومة العمل المؤسسي وإيجاد كوادر متخصصة في مجال عمل المنظمات والمساعدات الخارجية، مع الحاجة الملحة لإيجاد قاعدة بيانات حكومية شاملة للمساعدات الخارجية والمنظمات العاملة، والاستعداد لمرحلة إعادة الإعمار سواء من قبل الجهات الحكومية المعنية أو من قبل المجتمع الدولي.
وأخيرا من الأهمية إقرار اللائحة الخاصة بعمل المنظمات غير الحكومية العربية والاجنبية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (211) لسنة 2011م لا سيما بعد مراجعتها وتحديثها، والعمل على تسهيل عمل المنظمات الدولية والعاملين فيها والحد من البيروقراطية والروتين بما يُمكن من وصول المساعدات إلى المستفيدين بشكل أسرع من خلال تفعيل نظام النافذة الواحدة وتمكين الهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث من مهامها.

قد يعجبك ايضا